الدين

لا شك أن الكثير منا يلاحظ في وقتنا الحالي أن كثيرا من الناس يشكو الدّين ..
ويأخذك العجب حين ترى أشخاصا لا تبدو عليهم الحاجة .. ولا يوحي مظهرهم بالقلة ..
وقد تكون على صلة بهم وتعلم عنهم حسن الحال .. ووفرة الدخل .. إلا أنهم يشكون من
تكالب الديون .. و يزداد الأمر صعوبة حينما يبدؤون في سد الدين بالدين .. ثم تبدأ
حلقة مفرغة من سلسلة الديون التي لا تنتهي ربما !

إن الحياة لا تقف على حال
واحد .. بل تجمع الأضداد .. وتتفاوت فيها المستويات .. وليس من غرابة في أن ترى
فقيرا يعاني من الديون .. ولكن العجب الحقيقي أن تعلم أن كثيرا من أصحاب الديون
ليسوا من الفقراء وإنما من متوسطي الدخل وما يزيد !

إن الفقير بطبعه يدرك
واقعه جيدا .. ويعمل وفق هذا الأساس .. وإذا ما اضطرته الحاجة إلى الدين فهو لا
يستدين للذهاب إلى نزهة خارج الوطن مثلا .. ولا ليشتري سيارة جديدة .. ولا ليلحق
بمهرجان ما ليبتاع منه الكماليات الفارغة والتي ما إن يحصل عليها حتى يزهد فيها ..
ولكن سوى الفقير وبكل أسف يفعل هذا .. والداعي إلي دينه مجرد المباهاة .. والظهور
بمظهر يترك للآخر انطباعا بأنه في وضع أفضل مما هو عليه بالفعل .

إننا للأسف
نشكو ذلك الفراغ .. الذي يحملنا على الانغماس في مظاهر زائفة لا تحمل لنا أية نفع
.. ولا تقدم لنا أية خدمة .. بل فيها من الضرر الشيء الكثير .
فمجرد الشراء
بدافع التفاخر على من هو اقل .. أو الظهور بشكل يوحي للآخرين بعجزهم عن مجاراته هو
بحد ذاته أمر لا يجوز .. وبالإضافة إلى إدخال الحسرة والحزن إلى قلوب الضعفاء
والمساكين .. فهو تحفيز للأقران بمضاهاته .. وفي ذلك هدر للنعمة وبطر عليها .. لان
الله حين منحنا المال جعله وسيلة لقضاء حوائجنا .. ثم استخدامه في وجوه الخير شكرا
للنعمة وإيمانا بزوال الدنيا .. وعملا للآخرة .. وليس لهدره أو التعامل معه بسفه
.

إن مشكلة الدين تكشف عن خلل في طريقة التفكير لدى الكثيرين .. والمشكلة
أننا ندرك بأننا مجتمع استهلاكي .. ولا يزيدنا العلم بذلك سوى إمعانا في الاستهلاك
الغير رشيد .. بل وتأتي موادنا الإعلانية والإعلامية لتوطد فكرة البذخ وتؤجج الرغبة
في الإنفاق دون مراعاة لخصائص المجتمع وإمكاناته ولا حتى لقيمه الدينية التي تدعو
للوسطية والإنفاق المتوازن .

إن سوء الاستهلاك هو أكثر ضررا من الفقر نفسه
.. لان سوء الاستهلاك يدفعنا في النهاية إلى الفقر .. فأن تعلم بفقرك فذلك سيدفعك
إلى الجد والكفاح لتزيد من دخلك أو تحسن من مستوى معيشتك .. أو على الأقل أن تنفق
بما يتناسب مع دخلك البسيط.. ولكن أن يكون لديك ما يكفي ثم بسوء التقدير تفقد ما
تملك لتصل إلى حد الاستدانة من الآخرين فهذه المشكلة الحقيقية .

إن
الاستهلاك العشوائي والمعتمد على المباهاة .. وكذلك الرغبة في تحقيق ثراء سريع بطرق
لا تخلو من المجازفة لهو أكثر الطرق تبديدا للثروات .. فنحن نحتاج إلى ثقة أكثر
بالنفس وإدراك حقيقي لاحتياجاتنا وإمكاناتنا معا مع التمسك بهدي الشريعة التي تدعو
إلى التوسط وعدم الإسراف والعمل للغد .. وكلها نقاط ينبغي ألا يغفل عنها كل فرد حتى
لا يضطر لارتداء ثوب لا يناسبه .. أو أن يحمل نفسه عبئا لا يمكن له حمله طمعا في
إعجاب الناس أو مضاهاة آخرين . فعند حلول الدين لن يحمل همه سواه .. ولن يجد من
يطلب وده أو يرجو رضاه .

إن الإسراف كسلوك لا ينم إلا عن مشكلة في الثقة
بالذات وشعور خفي بالنقص يعمل المرء لستره بالبذخ .. لكن ستر المشكلة لا يعني حلها
.. ومن ناحية أخرى فلا تزال موادنا الإعلامية لا تؤدي واجبها على النحو المطلوب ..
فنحن بشكل أو بآخر نعتمد على برامج ومواد اغلبها يأتي مستنسخا من برامج أجنبية ..
أي أنها تأتي من بيئات تختلف تماما عن بيئتنا .. وتزخر بالأفكار المتناقضة مع
واقعنا .. بالإضافة إلى ذلك .. لا يزال إعلامنا لا يراعي أهمية دوره المؤثر في
تعزيز وتوجيه الأفكار والسلوكيات الايجابية ومحاربة ما سواها والتي تهدم المجتمع
بدلا من أن تبنيه .. وتفسده بدلا من أن تساهم في إصلاحه وتنقيته من شوائبه التي
تتفاقم في ظل غياب الدور الإعلامي الواعي .. والذي لا يزال يرزح تحت ثقل التقليد
والمستورد !

متى يصبح لإعلامنا هوية تخصه .. ومتى يأتي ذلك الزمن الذي يقدم
لنا إعلامنا العربي ما يعزز قيمنا بشكل أكثر فاعلية ويحسن من حال مجتمعنا .. فمن
غير المعقول أن بعد كل هذه السنين من دخول وسائل الإعلام ووصولها إلينا .. أن نجهل
استخدامها بما يخدم مصالح المجتمع .. وبما يساهم في الحفاظ على هويته التي تضفيها
عليه شريعتنا الغراء .

الدين

الدين

الدين :: تعاليق